بقم / أ. شادي طلعت ..المعارضة بالوكالة .. سعد الدين إبراهيم و جمال مبارك

أثار توقيع الدكتور / سعد الدين إبراهيم على حق جمال مبارك في الترشح لإنتخابات الرئاسة القادمة 2011 كمال قال سعد الدين إبراهيم ذلك ، أو توقيعه على حملة مطالبة جمال مبارك بالترشح كما قال كل من إعترض على توقيع الرجل !

أثار هذا الأمر غضب الجميع و تم تفسيره إلى تفسيرات عديدة منها على سبيل المثال:

  • أن هناك صفقة تم عقدها بين النظام الحاكم و بين د. سعد ا&aaccute;عد الدين إبراهيم .
  • أن سعد الدين إبراهيم آثر عدم حدوث مشاكل مع النظام دون وجود صفقة .
  • أن سعد الدين إبراهيم رجل يؤمن بالديمقراطية حتى و إن كانت مع خصومه .
  • أن قائد حملة مطالبة جمال مبارك بالترشح لإنتخابات الرئاسة شخص قديم من رواد مركز إبن خلدون و له وجهة نظر إقتنع بها سعد الدين إبراهيم لذلك و قع له على ورقته .

هناك إذاً تفسيرات كثيرة أعلن عنها و قد وجدت من واجبي أن أدلي بدلوي في هذا الأمر لسببين أولهما أني قريب جداً من شخص سعد الدين إبراهيم حتى و إن إبتعدت المسافات فالإتصالات لم تنقطع ، و السبب الثاني أني أعرف مبادئ و أفكار الرجل جيداً و قد تعلمت منها الكثير كما أنني كنت قريباً في محاولات عديدة للصلح و غلق ملفات القضايا الخاصة بالرجل .

و بداية حتى نصل إلى لب الموضوع و السبب الرئيسي في توقيع الرجل على حملة جمال مبارك ، فإننا يجب أولاً أن نعلم من هو سعد الدين إبراهيم :

الدكتور سعد هو عالم إجتماع سياسي و رجل يعلم ماذا يريد جيداً و له وجهات نظر علمية متعددة للنهضة بالشعوب و الدول و قد إستفادت منه دول عديدة كما إستفادت منه مصر في بداية حكم الرئيس مبارك و لكن لفترة قصيرة لم تتجاوز ثماني سنوات فقط .

و للرجل مبادئ لا تتوافر في أحد إلا إذا كان مترفعاً عن الأضواء و الشهرة و هو من أشد اللذين يحترمون و يقدرون مبدأ "شرف الخصومة" و غلى سبيل المثال سأسرد بعض الوقائع حتى يصل إلى القارئ ما أقصده :

في عام 2006 كان للرجل أحد بنات أفكاره من مشروع خاص بالمرأة و قد أخذت تلك الفكرة و تم تنفيذها و لكن عن طريق السيدة / سوزان مبارك .. و وقتها قلت للرجل كيف تصبر على ذلك و هناك من ينفذ أفكارك و هي حق لك و يجب أن لا تنسب إلى غيرك فرد علي قائلاً أنا لا يشغلني أن تنسب إلي أو إلى غيري بل يشغلني أن تنفذ الفكرة من أجل الصالح العام و لست ناقماً على السيدة / سوزان مبارك بل إني سأشكرها إن قابلتها لأنها قد أدخلت الفكرة إلى حيز التنفيذ .

و أذكر أيضاً يوم أن دخل سعد الدين إبراهيم إلى نقابة المحامين تحت رعاية إتحاد المحامين الليبراليين ، و الذي كنت رئيساً له نوفمبر عام 2006 فقد حدثت مهاترات كثيرة بعد الزيارة و تعرضت أنا و المحامين الليبراليين إلى إتهامات عديدة بالعمالة الأمريكية و غير الأمريكية ! و إستلمتنا بعض الصحف الصفراء و ظلت تنكل بالمحامين الليبراليين هذا بخلاف بعض التيارات الأخرى من العاملين بالمجتمع المدني و اللذين يحصلون على تمويلات أمريكية ! و قتها ذهبت للرجل و أطلعته على الأمر و قلت له أنا لا أعرف شخص واحداً أمريكياً أو حتى عاملاً بالسفارة الأمريكية و هناك من يتعاملون مع الأمريكان و يتهمونني بالتعامل مع الأمريكان ! و طلبت منه أن يتدخل ليمنع أي تمويلات خارجية عن كل من إتهموني بشخصي أو إتهموا المحامين الليبراليين و لكن رد علي الرجل قائلاً : و لماذا تعتبر أن مجرد الحصول على التمويل تهمه إذا ما كانت تذهب إلى مصارفها الصحيحة ! و لماذا لا ترد على كل من يحاول أن ينال منك أو من الليبراليين ! و لماذا لا تحترم رأي الآخرين حتى و إن كان ضدك ! و لماذا لا تفتح لنفسك علاقات مع العالم كله ؟ و إنتهى في النهاية إلى أنه ليس الشخص الذي يتدخل لإفساد أي علاقة أياً كانت !؟ و إعترض على طلبي و لم ينفذه و الواقع أني يومها إقتنعت بكل ماقاله .

و أذكر أنني سألته في شهر مايو 2007 إذ أنني أذكر هذا التاريخ جيداً لأنس سافرت بعدها بأيام إلى مؤتمر دولة قطر الشهير حول الديمقراطية حيث قلت له بإعتبارك كنت قريباً من الرئيس مبارك في فترة ماضية أود الإجابة على سؤالين أولهما هل كان الرئيس مبارك ديكتاتور ؟ و الثاني هل كان الرئيس متكبراً ؟ و رد علي قائلاً لم يكن مبارك ديكناتوراً في بداية حكمه كما لم يكن متكبراً في يوم من الأيام ، فسألته سؤال آخر .. لماذا إذاً تأخذ منه موقفاً عدائياً فقال لي لأنه إستمر بالسلطة أكثر من اللازم علمياً و ليس لديه الجديد ليقدمه كما تكونت حوله حاشية نشرت الفساد و الظلم بين الناس و لا مفر من التغيير إن أردنا الإصلاح .

و أريد أيضاً أن أسرد لكم واقعة قريبة بعد إنتخابات حزب الوفد و التي شهد لها الجميع بالنزاهة و الشفافية ، فبعدها إتصل بي الرجل و نصحني بأن ألتقي بالدكتور / السيد البدوي و أن أدعوه إلى أي فعالية خاصة بالليبراليين أو بمنظمة إتحاد المحامين ، و هنا سألته أنا .. هل تعلم رأي السيد البدوي بشخصك و أيضاً رأيه بمركز إبن خلدون ، فرد علي الرجل كلا لا أعلم حيث أنني لا أذكر أني إلتقيت به ، فقلت له أنه شخص له تحفظات على شخص سعد الدين إبراهيم و له تحفظات على مركز إبن خلدون حيث أنه قد رفض الحضور إلى رواق مركز إبن خلدون و قت أن كنت أنا مديراً للرواق بالمركز ؟! و قد أبلغني بتحفظاته تلك ، و هنا توقعت أن أن يتراجع سعد الدين إبراهيم عن نصيحته لي إلا أنه قال لي هذا رأيه و له إحترامه و لكنه شخص في النهاية ليبرالي و رئيس لحزب ليبرالي كبير و عريق و هذا ليس داع لأن تقطع العلاقات به !

هذه بعض المواقف حول شخصية الرجل و التي أردت من خلالها أن تعرفوا كيف يفكر مع أقرانه و أيضاً مع خصومه ، و هناك مواقف عديدة لا أريد أن أسرها لوجود أسماء شخصيات عامة و سياسية قد لا تريدني أن أتحدث عن مواقف الرجل معهم إلا أنني في النهاية أريد أن أختصر الرجل لكم في سطرين :

إن سعد الدين إبراهيم رجل مؤمن بعدة مبادئ و لا يحيد عنها لأي سبب و هو رجل يؤمن بالحوار و قبول الآخر و هو رجل يحترم شرف الخصومة فقد يختلف مع خصومه سياسياً و لكنه يحترمهم إنسانياًً .

و قبل أن أرد على سبب توقيع الرجل على أي شيئ خاص بجمال مبارك أريد أن نتجول سوياً في رحلة بحثية عن النتيجة التي حدثت بسبب توقيع الدكتور سعد على تلك الورقة حيث أن هذا الأمر إن لم نتوقف عنده فإننا لن نكون قد تعلمنا أي شئ من هذا الحدث .

و بداية أقول أن الدنيا قامت و لم تقعد و ثار الجميع على سعد الدين إبراهيم و وصل الأمر بالبعض إلى قيامهم بسب و قذف الرجل بألفاظ يعاقب عليها القانون و قد إستاءت صفوف المعارضة من توقيع الرجل حتى و لو كان على طلب حق جمال مبارك في الترشح ! و تناقلت الفضائيات الحدث كما لو أن توقيع الرجل هو سند قوي لجمال مبارك حتى يصل إلى سدة الحكم ! و الواقع أن موقف المعارضة المصرية حتى و إن كان عنيفاً فإنه قد يكون مقبولاً نظراً لما تتعرض له المعارضة من إضهاد و إصرار النظام على حبس الديمقراطية و لكن ..

الموقف الأكثر غرابة هو إستياء الموالين للنظام من توقيع الرجل على ورقة فيها إسم جمال مبارك فمنذ قريب زارني أحد أعضاء الحزب الوطني و كان سبب الزيارة هو توقيع د. سعد على تلك الورقة فقد جاءني الرجل مستاءاً و يريد أن يعرف مني موقف د. سعد من ترشح جمال مبارك أو من دعمه له !؟ و قد أطلعته على وجهة نظري في الأمر و أنني أرى أن د. سعد ضد التوريث و لو ترشح جمال مبارك فإنني أرى أنه سيكون مع أي شخص آخر بصوته ، إذ أنه يرى أنه غير مرغوب شعبياً ، و الغريب أن الرجل إستراح لوجهة نظري و إطمأن لها و خرج من عندي سعيداً !!

و هنا كانت المفاجأة التي لم أكن أنا أو غيري نلاحظها أو حتى نتوقعها و هي أن جمال مبارك قد خسر كثيراً جداً بسبب توقيع د. سعد على ورقة حملت إسمه ، و قد أضر كل الموالين له به ، من خلال إثارتهم لحدث التوقيع على الورقة فقد أظهرت الأحداث أن جمال مبارك مرفوض شعبياً و على كل المستويات حتى الحزب الحاكم نفسه فقد بدا من الواضح أن جمال مبارك لا يملك أي جهاز إداري يدرس الأمور و يحللها قبل الإعلان عنها أو جهاز يستطيع السيطرة على الأحداث الخاصة به شخصياً .. لقد بدا من الواضح أن أقرب الناس إلى جمال مبارك لا يخلصون له ، و يستطيع كل منكم أن يقرأ من خلال هذا الحدث و تلك الضجة الناتجة عن التوقيع على ورقة فيها إسمه أنه هو الخاسر الوحيد في الأمر و ليس سعد الدين إبراهيم ! و لو كان المقصود من الأمر تنفيذ لمخطط لدعم جمال مبارك فإن القائمون على هذا المخطط إما هواة أو أنهم قصدوا الإضرار بجمال و لا يوجد تفسير ثالث للأمر .

نأتي الآن إلى آخر جزئية في المقال و هي السبب الذي دعا د. سعد الدين إبراهيم إلى التوقيع على ورقة فيها إسم جمال مبارك و أنا هنا أقول و بكل أمانة أن السبب هو إحترام الرجل لمبادئ الديمقراطية و إقراره بحق الجميع في الممارسة السياسية حتى و إن كانوا خصوماً له و مهما كانت حدة الخلاف ، و يؤكد حديثي هذا .. أن سعد الدين إبراهيم بالأمس إتهم بالتحيز للأقباط ! و بعدها إتهم بالتحيز للإخوان المسلمين ! و الآن يتهم بالتحيز لجمال مبارك ! و غداً سيتهم بالتحيز لآخرين كتلة كانوا أم أفراداً .. و سبب التعددية هو إحترام الديمقراطية و تطبيقها بالفعل و ليس القول وحده.

في النهاية :

  • سعد الدين إبراهيم لم و لن يؤيد جمال مبارك ، كما أنه لم يدخل في أي صفقات .
  • جمال مبارك قد خسر كثيراً من توقيع إبراهيم على ورقة تحوي إسمه .
  • الكثيرون يضعون آمالهم على سعد الدين إبراهيم ! في حين أن التغيير لن يحدث بمجرد المعارضة بالوكالة فإن أراد الشعب التغيير فعليه أن يتحرك .
  • أتضامن مع د. سعد في تمسكه بمبادئ و آليات الديمقراطية .

و على الله قصد السبيل

شادي طلعت

القاهرة 2 سبتمبر 2010