كنا نتناول الغداء مع الفنان أحمد زكي في مطعم الفندق الذي يسكن فيه ويعيش تقريباً، متحمساً ومنفعلاً ومحباً ومتأملاً ومثرثراً، وهو يتحدث عن السيناريو الذي لم يتم أبداً، كان يجلس علي الموائد حولنا زبائن تبادلوا مع زكي الابتسام والإعجاب، وكان أحمد زكي خجولاً جداً في تلقي الإعجاب، بل وربما عدوانياً من فرط خجله مع من يكيل له المديح ويتهرب من كلمات الثناء وتطعنه كالنصل إيماءات النقد التي يهتم ويغتم بها جداً حتي لو صدرت من أبله، قام سائح خليجي في المطعم واتجه من مائدته إلي أحمد زكي وقال له بحفاوة: والله إنت فنان كبير ونحبك كتير، عظيم يا فنان.
تعامل أحمد زكي معه برقة بذل فيها جهداً لكن عينيه تحولت إحمراراً عاتياً بمجرد أن قال السائح الخليجي: يا جرسون غداء الفنان وصديقه علي حسابي.
كأن الرجل قص السلك الخطأ في قلب أحمد زكي فانفجر فيه.
- لا يمكن، يعني إيه تعزمني، ده إنت ضيفنا، إحنا اللي نعزمك.
رفض السائح واعتبر أن زكي يرفض مكرمته، بينما استنفر زكي كل شرقاويته واعتبر أن السائح يهين كرمه فارتفعت أصواتهما تشد تنبه الزبائن عن طعامهم وتجمع الجرسونات جزعاً من غضب الفنان أو زعل السائح.
وكنت في حيرة بين أن أبتسم أمام جنون زكي الكريم أو كرمه، لمجنون وفرط حساسيته ضد من يتصور أنه يعطيه عطية وبين إشفاقي علي السائح الذي تصور أن تعبيره المادي عن الحب أهم من مجرد كلمات ثناء وإعجاب شفوية، كانت ثورة أحمد زكي قد وصلت منتهاها، حيث استسلم السائح معاتباً ومتحيراً، بينما صرخ أحمد زكي في الجرسونات والزبائن:
- مش بس الراجل العربي ده معزوم علي حسابي، كمان كل الزبائن هنا اللي بياكلوا في المطعم دلوقت كلهم معزومين علي حسابي.
التفت للزبائن علي موائدهم:
- أنا عازم المطعم كله!